فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طعامه}
شروعٌ في تعدادِ النعمِ المتعلقةِ ببقائِه بعد تفصيلِ النعمِ المتعلقةِ بحدوثِه أي فلينظرْ إلى طعامه الذي عليه يدورُ أمرُ معاشهِ كيفَ دبرنَاهُ. وقوله تعالى: {أَنَّا صَبَبْنَا الماء صَبّاً} أي الغيثَ بدلُ اشتمالٍ من {طعامه} لأنَّ الماءَ سببٌ لحدوثِ الطعامِ فهُو مشتَملٌ عليهِ. وقرئ {إنَّا} على الاستئنافِ، وقرئ {أنى} بالإمالةِ. أي كيفَ صببَنا إلى آخرِه أي صببنَاهُ صَّباً عجيباً.
{ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض} أي بالنباتِ {شَقّاً} بديعاً لائقاً بما يشقُّها من النباتِ صِغَراً وكِبرَاً وشكلاً وهيئةً. وحملُ شقِّها على ما بالكرابِ بجعلِ إسنادِه إلى نونِ العظمةِ من قبيلِ إسنادِ الفعلِ إلى سببِه يأباهُ كلمةُ ثمَّ. والفاءُ في قوله تعالى: {فَأَنبَتْنَا فِيهَا حبًّا} فإنَّ الشقَّ بالمَعْنى المذكور لا ترتبَ بينَهُ وبين الأمطارِ أصلاً ولا بينَهُ وبينَ إنباتِ الحبِّ بلا مُهلةٍ. وإنَّما الترتيبُ بين الأمطارِ وبينَ الشقِّ بالنبات على التراخِي المعهودِ وبين الشقِّ المذكورِ وبينَ إنباتِ الحبِّ بلا مُهلةٍ، فإنَّ المرادَ بالنبات ما نبتَ من الأرضِ إلى أنْ يتكاملَ النموُّ وينعقدَ الحبُّ فإنَّ انشقاقَ الأرضِ بالنباتِ لا يزالُ يتزايدُ ويتسعُ إلى تلكَ المرتبةِ على أنَّ مساقَ النظمِ الكريمِ لبيانِ النعمِ الفائضةِ من جنابهِ تعالى على وجهٍ بديعٍ خارجٍ عن العاداتِ المعهوةِ كما ينبئُ عنه تأكيدُ الفعلينِ بالمصدرينِ فتوسيطُ فعلِ المنعمِ عليهِ في حصولِ تلك النعمِ مخلٌّ بالمرامِ.
وقوله تعالى: {وَعِنَباً} عطف على {حبًّا} وليسَ من لوازم العطف أنْ يُقيدَ المعطوف بجميع ما قُيدَ به المعطوف عليه فلا ضيرَ في خُلوِّ إنباتِ العنبِ عن شقِّ الأرضِ {وَقَضْباً} أي رطبة، سُميتْ بمصدرِ قضَبهُ أي قطَعهُ مبالغةً كأنَّها لتكرر قطعِها وتكثرِه نفسُ القطعِ.
{وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً} الكلامُ فيهما وفي أمثالِهما كما في العنبِ {وَحَدَائِقَ غُلْباً} أي عظاماً وصفَ به الحدائقُ لتكاثفها وكثرةِ أشجارِها أو لأنَّها ذاتُ أشجارٍ غلاظٍ مستعارٌ من وصفِ الرقابِ {وفاكهة وَأَبّاً} أي مَرْعى من أبَّه إذَا أمَّه أي قصَدُه لأنَّه يُؤمُ ويُنتجعُ أو منْ أبَّ لكذَا إذا تهيأَ له لأنَّه متهيئُ للرَّعِي، أو فاكهةً يابسةً تؤبُ للشتاءِ.
وعن الصدِّيقِ رضيَ الله عنْهُ أنَّه سُئلَ عن الأبِّ فقال: أيُّ سماءٍ تُظلِني، وأيُّ أرضٍ تُقِلَني إذَا قلتُ في كتابِ الله ما لاَ علَم لى بهِ.
وعن عمرَ رضيَ الله عنْهُ أنَّه قرأ هذه الآيةَ فقال: كلُّ هذا قد عرفَنا فَما الأبُّ ثم رفعَ عصاً كانتْ بيدِه وقال: هَذا لعَمْرُ الله التكلفُ، وما عليكَ يا ابنَ أُمِّ عمرَ أنْ لا تدريَ ما الأبُّ ثم قال: اتبعُوا ما تبينَ لكُم من هذا الكتابِ وما لاَ فدعُوه.
{متاعا لَّكُمْ ولأنعامكم} إما مفعولٌ له أيْ فُعِلَ ذلكَ تمتيعاً لكُم ولمواشيكُم فإنَّ بعضَ النعمِ المعدودةِ طعامٌ لهم وبعضَها علفٌ لدوابِّهم. والالتفاتُ لتكميل الامتنانِ. وإمَّا مصدرٌ مؤكدٌ لفعله المضمرِ بحذفِ الزوائدِ، أي متعكُم بذلكَ متاعاً، أو لفعلٍ مترتبٍ عليهِ أي معكُم بذلك فتمتعتُم متاعاً أي تمتعاً كما مرَّ غيرَ مرةٍ، أو مصدرٌ من غير لفظهِ فإنَّ ما ذُكرَ من الأفعالِ الثلاثةِ في مَعْنى التمتيعِ.
{فَإِذَا جَاءتِ الصاخة} شروعٌ في بيان أحوالِ معادِهم إثرَ بيانِ مبدأِ خلقِهم ومعاشِهم. والفاءُ للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها من فُنون النعمِ عن قريب كما يشعرُ لفظُ المتاعِ بسرعة زَوَالِها وقربِ اضمحلالِها. والصاخةُ هي الداهيةُ العظيمةُ التي يصخُّ لها الخلائقُ أي يصيخونَ لها من صخَّ لحديثه إذا أصاخَ له واستمعَ وصفتْ بها النفخةُ الثانيةُ لأنَّ الناسَ يصيخُونَ لها، وقيل هي الصيحةُ التي تصخُّ الآذانَ أي تصمَّها لشدةِ وقعِها، وقيلَ: هي مأخوذةٌ من صخَّهُ بالحجرِ، أي صكَّهُ. وقوله تعالى: {يوم يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ} إما منصوبٌ بأعِني تفسيراً للصاخَّة أو بدلٌ منها مبنيٌّ على الفتحِ بالإضافةِ إلى الفعلِ على رَأي الكوفيينَ، وقيلَ بدل من إذَا جاءتْ كما مرَّ في قوله تعالى: {يوم يَتَذَكَّرُ} إلخ أي يعرضُ عنُهم ولا يصاحبُهم ولا يسألُ عن حالِهم كما في الدُّنيا لاشتغالِه بحالِ نفسِه، وأمَّا تعليلُ ذلكَ بعلمِه بأنَّهم لا يُغنونَ عنه شيئاً، أو بالحذرِ من مطالبتِهم بالتبعاتِ فيأباهُ قوله تعالى: {لِكُلّ امرئ مّنْهُمْ يومئِذٍ شَأْنٌ يغنيه} فإنَّه استئنافٌ واردٌ لبيانِ سببِ الفرارِ أي لكُلِّ واحدٍ من المذكورينَ شغلٌ شاغلٌ وخطبٌ هائلٌ يكفيِه في الاهتمامِ به، وأما الفرارُ حَذَراً من مطالبتِهم أو بُغضاً لهُم كَما يُروَى عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله تعالى عنهُمَا أنَّه يفرُّ قابيلُ من أخيِه هابيلَ، ويفرُّ النبيُّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ منْ أُمِّه، ويفرُّ إبراهيمُ عليه السلام من أبيهِ، ونوحٌ عليه السلام من ابنِه، ولوطٌ عليه السلام من امرأتِه، فليسَ من قبيلِ هذا الفرارِ.
وكَذا مَا يُروَى أنَّ الرجلَ يفرُّ من أصحابِه وأقربائِه لئلاَّ يَروَه على ما هُو عليهِ من سُوءِ الحالِ. وقرئ {يَعْنِيه} بالياءِ المفتوحةِ والعينِ المُهملةِ، أي يُهمَّهُ من عناهُ الأمرُ إذا أهمَّه أي أوقعَهُ في الهمِّ ومنْهُ: «منْ حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيه» لا من عناهُ إذا قصدَهُ كما قيلَ: وقوله تعالى: {وُجُوهٌ يومئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} بيانٌ لمآل أمرِ المذكورينَ وانقسامِهم إلى السعداءِ والأشقياءِ بعد ذكرِ وقوعِهم في داهيةٍ دهياءَ فـ: {وجوهٌ} مبتدأٌ وإنْ كانتْ نكرةً لكونِها في حيزِ التنويعِ و{مسفرةٌ} خبرُهُ و{يومئذٍ} متعلق به أي مضيئةٌ متهللةٌ منْ أسفرَ الصبحُ إذَا أضاءَ.
وعن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُمَا أنَّ ذلكَ من قيامِ الليلِ. وفي الحديث: «مَنْ كثُرَ صلاتُه بالليلِ حسُن وجهُه بالنهارِ».
وعن الضحَّاكِ: منْ آثارِ الوضوءِ وقيلَ: من طولِ ما اغبرّتْ في سبيلِ الله.
{ضاحكة مُّسْتَبْشِرَةٌ}
بما تشاهدُ من النعيم المقيمِ والبهجةِ الدائمةِ {وَوُجُوهٌ يومئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} أي غبارٌ وكدورةٌ {تَرْهَقُهَا} أي تعلُوها وتغشاهَا {قَتَرَةٌ} أي سوادٌ وظلمةٌ {أولئك} إشارةٌ إلى أصحاب تلك الوجوهِ، وما فيهِ من مَعْنى البُعدِ للإيذانِ ببعدِ درجتِهم في سُوءِ الحالِ أي أولئكَ الموصوفونَ بسوادِ الوجوهِ وغيره {هُمُ الكفرة الفجرة} الجامعونَ بين الكفرِ والفجورِ فلذلكَ جمعَ الله تعالى إلى سواد وجوهِهم الغبرةَ. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {عبس وتولى} أي: كلح وأعرض بوجهه.
يعني: النبي صلى الله عليه وسلم وروى هشام بن عروة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً، ومعه عتبة بن ربيعة، في ناس من وجوه قريش، وهو يحدثهم بحديث.
فجاء ابن أم مكتوم على تلك الحال، فسأله عن بعض ما ينفع به، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع كلامه، وقال في رواية مقاتل، كان اسم ابن أم مكتوم عمر بن قيس.
وقال في رواية الكلبي، كان اسمه عبد الله بن شريح.
فقال: يا رسول الله، علمني مما علمك الله تعالى.
فأعرض عنه شغلاً بأولئك القوم، لحرصه على إسلامهم فنزل {عبس وتولى}.
وهو بلفظ المغايبة، تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم {عبس} محمد صلى الله عليه وسلم وجهه {وتولى} يعني: وأعرض {أَن جاءه الاعمى} يعني: إن جاءه الأعمى.
ويقال: حين جاء الأعمى، وهو ابن أم مكتوم.
ثم قال: {وَمَا يُدْرِيكَ لعله يزكى} يعني: وما يدريك يا محمد، لعله يصلي أو يفلح، فيعمل خيراً فيتعظ بالقرآن.
ويقال: يعني: يزداد خيراً.
{أَوْ يذكر} يعني: يتعظ بالقرآن {فتنفعه الذكرى} يعني: العظة.
ثم قال: {أَمَّا مَنِ استغنى} يعني: استغنى بنفسه عن ثواب الله.
ويقال: استغنى بماله ونفسه، عن دينك وعظمتك {فَأَنتَ لَهُ تصدى} يعني: تقبل بوجهك عليه.
ويقال تصدى يعني: تعرض.
يقال: فلان تصدى لفلان، إذا تعرض له ليراه.
قرأ عاصم {أَوْ يذكر فتنفعه الذكرى} بنصب العين، جعله جواباً لعله يتذكر فتنفعه الذكرى.
وقرأ الباقون بالضم، جعلوه جواباً للفعل.
قرأ نافع، وابن كثير {تصدى} بتشديد الصاد، لأن الأصل تتصدى، فأدغمت وشددت.
والباقون بحذف التاء للتخفيف، فهذا كقوله: {فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أَن تزكى} [النازعات: 18].
ثم قال: {وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يزكى} يعني: أي شيء عليك إن لم يوجد عتبة وأصحابه.
ويقال: لا يضرك إن لم يؤمن، ولم يصلح.
ثم قال عز وجل: {وَأَمَّا مَن جَاءكَ يسعى} يعني: يسرع إلى الخير، ويعمل به، وهو ابن أم مكتوم.
ويقال: يعني: يمشي برجليه {وَهُوَ يخشى} ربه {فَأَنتَ عَنْهُ تلهى} يعني: تشتغل، وتتلاهى وتتغافل.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكرم ابن أم مكتوم بعد نزول هذه الآية قوله تعالى: {كَلاَّ} يعني: لا تفعل، ولا تقبل على من استغنى عن الله تعالى بنفسه، وتعرض عمن يخشى الله تعالى.
ثم قال: {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} يعني: هذه الموعظة تذكرة.
ويقال: هذه السورة تذكرة، يعني: موعظة {فَمَن شَاء ذَكَرَهُ} يعني: ذكر المواعظ وذكره يلفظ التذكير، ولم يقل ذكرها، لأنه ينصرف إلى المعنى، لأن الموعظة إنما هي بالقرآن.
يعني: فمن شاء أن يتعظ بالقرآن فليتعظ {فَى صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ} يعني: أن هذا القرآن في صحف مكرمة.
يعني: مطهرة مبجلة معظمة، وهو اللوح المحفوظ {مَّرْفُوعَةٍ} يعني: مرتفعة {مُّطَهَّرَةٍ} يعني: منزهة عن التناقض، والكذب والعيب.
{بِأَيْدِى سَفَرَةٍ} يعني: الكتبة الذين يكتبون في اللوح المحفوظ.
ثم أثنى على الكتبة فقال: {كِرَامٍ} على الله {بَرَرَةٍ} أي: مطيعين لله تعالى.
ويقال: بررة من الذنوب.
وقال القتبي: السفرة الكتبة.
وأحدهما سافر، وإنما يقال للكاتب سافر، لأنه يبين الشيء ويوضحه.
ويقال: أسفر الصبح، إذا أضاء البررة جمع بار، مثل: كفرة وكافر.
ثم قال تعالى: {قُتِلَ الإنسان مَا أَكْفَرَهُ} يعني: لعن الكافر بالله تعالى.
يعني: عتبة وأصحابه، ومن كان مثل حاله إلى يوم القيامة.
{ما أكفره} يعني: ما الذي أكفره، وهذا قول مقاتل.
وقال الكلبي: يعني: أي شيء أكفره.
قال نزلت في عتبة حيث قال: إني كفرت بالنجم إذا هوى.
ويقال: {ما أكفره}، يعني: ما أشده في كفره.
ثم قال: {مِنْ أَىّ شيء خَلَقَهُ} يعني: هل يعلم من أي شيء خلقه الله تعالى.
ويقال: أفلا يعتبر من أي شيء خلقه، ثم أعلمه ليعتبر في خلقه، فقال: {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} يعني: خلقه في بطن أمه طوراً بعد طور.
{ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ} يعني: يسره للخروج من بطن أمه.
ويقال: يسره طريق الخير والشر.
وقال مجاهد: هو مثل قوله: {إِنَّا هديناه السبيل إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الدهر: 3] {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} يعني: جعل له قبراً يوارى فيه.
ويقال: أمر به ليعتبر، ويقال: فأقبره أي: جعله ممن يقبر، ولم يجعله ممن يلقى على وجه الأرض، كالبهائم {ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ} يعني: يبعثه في القبر إذا جاء وقته.
ثم قال: {كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} يعني: لم يؤد ما أمره من التوحيد، وما هنا صلة كقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب لأنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فاعف عَنْهُمْ واستغفر لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ في الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ على الله إِنَّ الله يُحِبُّ المتوكلين} [آل عمران: 159].
وقال مجاهد: لما يقضي ما أمره، يعني: لا يقضي أحدًّا أبداً، كما افترض عليه.
ثم أمرهم بأن يعتبروا بخلقه فقال: {فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طعامه} يعني: إلى رزقه ومن أي شيء يرزقه، وليعتبروا به {أَنَّا صَبَبْنَا الماء صَبّاً} يعني: المطر.
قرأ أهل الكوفة {أنا صببنا}، بنصب الألف.
والباقون بالكسر فمن قرأ بالنصب جعله بدلاً عن {الطعام}، يعني: {فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طعامه أَنَّا صَبَبْنَا الماء صَبّاً} ومن قرأ بالكسر، فهو على الاستئناف {أَنَّا صَبَبْنَا الماء صَبّاً} يعني: المطر على الأرض المطر بعد المطر.
{ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقّاً} يعني: شققناها بالنبات والشجر {فَأَنبَتْنَا فِيهَا} يعني: في الأرض ومعناه: أخرجنا من الأرض {حبًّا} يعني: الحبوب كلها {وَعِنَباً} يعني: الكروم {وَقَضْباً} قال ابن عباس رضي الله عنهما: القضبة وهو القت الرطب.
وقال القتبي: القضب القت، سمي قضباً لأنه يقضب مرة بعد مرة، أي: يقطع.
وكذلك الفصيل، لأنه يفصل أي: يقطع.
ويقال: وقضبتا يعني: جميع ما يقضب مثل القت.
والكرات، وسائر البقول التي تقطع، فينبت من أصله {وَزَيْتُوناً} وهي شجرة الزيتون {وَنَخْلاً} يعني: النخيل {وَحَدَائِقَ غُلْباً} قال عكرمة: غلاظ الرقاب.
ألا ترى أن الرجل إذا كان غليظ الرقبة، يقال أغلب.
والحدائق واحدها حديقة غلباً أي: نخلاً غلاظاً طوالاً.
ويقال: {حدائق غلباً} يعني: حيطان النخيل والشجر.
وقال الكلبي: كل شيء أحبط عليه من نخيل أو شجر، فهو حديقة، وما لم يحط به فليس بحديقة.
ويقال: الشجر الملتف بعضه في بعض.
ثم قال عز وجل: {وفاكهة} ويعني الثمر كلها وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خُلِقْتُمْ مِنْ سَبْعٍ وَرُزِقْتُمْ مِنْ سَبْعٍ فَاسْجُدُوا لله على سَبْعٍ» وإنما أراد بقوله خلقتم من سبع يعني من نطفة ثم من علقه، الآية والرزق من سبع وهو قوله: {فأنبتنا فيها حبًّا وعنباً} إلى قوله: {وفاكهة وأباً} ثم قال: {وَأَبّاً} يعني العنب وقال مجاهد: ما يأكل الدواب والأنعام وقال الضحاك هو التبن.
{متاعا لَّكُمْ ولانعامكم} يعني الحبوب والفواكه منفعة لكم والكلأ والعشب منفعة لكم ولأنعامكم.
ثم ذكر القيامة فقال: {فَإِذَا جَاءتِ الصاخة} يعني: الصيحة تصخ الأسماع أي تصمها فلا يسمع إلا ما يدعا به ويقال الصاخة اسم من أسماء يوم القيامة وكذلك الطامة والقارعة والحاقة ثم وصف ذلك اليوم فقال: {يوم يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ} وفراره أنه يعرض عنه بنفسه وقال شهر بن حوشب يوم يفر المرء من أخيه يعني: هو هابيل يفر من أخيه قابيل {وَأُمّهِ وَأَبِيهِ} يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم من أمه وأبيه وإبراهيم من أبيه {وصاحبته} يعني: لوط عليه السلام من امرأته {وَبَنِيهِ} يعني: نوح عليه السلام من ابنه، ويقال هذا في بعض أحوال يوم القيامة أن كل واحد منهم يشتغل بنفسه يعني: فلا ينظر المرء إلى أخيه وإلى أبيه وإلى ابنه ثم قال تعالى: {لِكُلّ امرئ مّنْهُمْ شَأْنٌ يغنيه} يعني؛ لكل إنسان شغل يشغله عن هؤلاء، وروي في الخبر أن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله كيف يحشر الناس قال: «حُفَاة عُرَاة» فقالت عائشة رضي الله عنها واسوأتاه النساء مع الرجال حفاة عراة فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {لِكُلّ امرئ مّنْهُمْ يومئِذٍ شَأْنٌ يغنيه} يعني: لكل واحد منهم عمل يشغله بنفسه عن غيره ثم قال تعالى: {وُجُوهٌ يومئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} يعني: من الوجوه ما يكون في ذلك اليوم مشرقة مضيئة {ضاحكة مُّسْتَبْشِرَةٌ} يعني: مفرحة بالثواب وهم المؤمنون المطيعون {وَوُجُوهٌ يومئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} يعني: من الوجوه ما يعلوها السواد كالدخان وأصل الغبرة يعني الغبار ثم قال عز وجل: {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} يعني: تلحقها قترة يعني يغشاها الكسوف والسواد {أُوْلَئِكَ هُمُ الكفرة الفجرة} يعني: أن أهل هذه الصفة هم الكفرة بالله تعالى الكذبة على الله تعالى ويقال ترهقها قترة يعني المذلة والكآبة والفجرة يعني: الظلمة.
والله الموفق بمنه وصلى الله على سيدنا محمد وآله. اهـ.